الفصل الثالث في شروط النكاح
من حسن التنظيم الإسلامي ودقته في شرع الأحكام أن جعل للعقود شروطا تنضبط بها و تتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ و الاستمرار فكل عقد من العقود له شروط لا يتم الا بها و هذا دليل واضح على إحكام الشريعة و إتقانها وأنها جاءت من لدن حكيم خبير يعلم ما يُصلح الخلق و يشرِّع لهم ما يصلح به دينهم و دنياهم حتى لا تكون الأمور فوضى لا حدود لها. و من بين تلك العقود عقد النكاح فعقد النكاح له شروط نذكر منها ما يأتي وهو أهمها: رضا الزوجين: فلا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يريد و لا إجبار المرأة على نكاح من لا تريد. قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها)( النساء:19) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تنكح الأيم حتى تستامر و لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله و كيف إذنها ؟ قال: أن تسكت)[4] فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تزويج المرأة بدون رضاها سواء أكانت بكرا أم ثيبا الا أن الثيب لا بد من نطقها بالرضا و أما البكر فيكفي في ذلك سكوتها لأنها تستحي من التصريح بالرضا.
و إذا امتنعت عن الزواج فلا يجوز أن يجبرها عليه احد و لو كان أباها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( و البكر يستأذنها أبوها ))[5] و لا أثم على الأب إذا لم يزوجها في
هذه الحال لأنها هي التي امتنعت و لكن عليه أن يحافظ عليها و يصونها و إذا خطبها شخصان، وقالت: أريد هذا و قال وليها: تزوجي الآخر، زوجت بمن تريد هي إذا كان كفئا لها أما إذا كان غير كفء فلوليها أن يمنعها من زواجها به و لا أثم عليه في هذه الحال .
2. الولي فلا يصح النكاح بدون ولي،لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلا بولي"[6] فلو زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل ، سواء باشرت العقد بنفسها أم وكَّلت فيه.
والولي :هو البالغ العاقل الرشيد من عصباتها، مثل الأب، و الجد من قبل الأب، و الابن و ابن الابن و إن نزل و الأخ الشقيق و الأخ من الأب و العم الشقيق و العم من الأب و أبنائهم الأقرب فالأقرب.ولا ولاية للأخوة من الأم و لا لأبنائهم و لا أبي الأم و الأخوال لأنهم غير عصبة و إذا كان لا بد في النكاح من الولي فانه يجب على الولي اختيار الأكفاء فالأمثل إذا تعدد الخُطَّاب فان خطبها واحد فقط وهو كفء و رضيت فانه يجب عليه أن يزوجها به وهنا نقف قليلا لنعرف مدى المسئولية الكبيرة التي يتحملها الولي بالنسبة إلى من ولاه الله عليها فهي أمانة عنده يجب عليه رعايتها ووضعها في محلها و لا يحل له احتكارها لأغراضه الشخصية أو تزويجها بغير كفئها من اجل طمع فيما يدفع اليه، فان هذا من الخيانة وقد قال الله تعالى: (( يأيها الذين امنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون))- ( الأنفال: 27).وقال تعالى: (( إن الله لا يحب كل خوان كفور))- ( الحج:38) و قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته))[7]. و ترى بعض الناس تخطب منه ابنته يخطبها كفء ثم يرده و يرد آخر و آخر و من كان كذلك فان ولايته تسقط و يزوجها غيره من الأولياء الأقرب فالأقرب
الفصل الرابع في صفة المرأة التي ينبغي نكاحها
النكاح يراد للاستمتاع و تكوين أسرة صالحة و مجتمع سليم كما قلنا فيما سبق. و على هذا فالمراة التي ينبغي نكاحها هي التي يتحقق فيها استكمال هذين الغرضين و هي التي اتصفت بالجمال الحسي و المعنوي.
فالجمال الحسي: كمال الخِلقة لان المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها و أصغت الأذن إلى منطقها فينفتح لها القلب و ينشرح لها الصدر و تسكن إليها النفس و يتحقق فيها قوله تعالى: (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة))-( الروم-21).
والجمال المعنوي: كمال الدين و الخٌلق فكلما كانت المرأة أدين و أكمل خُلُقا كانت أحب إلى النفس و أسلم عاقبة فالمراة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها و فراشه و أولاده و ماله، معينه له على طاعة الله تعالى، إن نسي ذكرته و أن تثاقل نشّطته و أن غضب أرضته و المرأة الأديبة تتودد إلى زوجها و تحترمه و لا تتأخر عن شئ يحب أن تتقدم فيه و لا تتقدم في شئ يحب أن تتأخر فيه و لقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: (( التي تسرّه إذا نظر و تطيعه إذا أمر و لا تخالفه في نفسها و لا ماله بما يكره)) [8] وقال صلى الله عليه وسلم: (( تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأنبياء، أو قال: الأمم))[9]فان أمكن تحصيل امرأة يتحقق فيها جمال الظاهر و جمال الباطن فهذا هو الكمال و السعادة بتوفيق الله.