بسم الله الرحمن الرحيم
تحذير البرية من خطر الشرك ووسائله وصوره الخفيّة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
أما بعد : فهذه كلمات مختصرة وعبارات موجزة كتبتها نصحاً لنفسي ولإخواني ومذكراً لهم من باب قوله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }وهي عبارة عن ست مسائل : المسألة الأولى ( خطر الشرك ) المسألة الثانية ( الخوف من الشرك هل يقدح في الإيمان ) المسألة الثالثة (هل الشرك سيقع في هذا الزمان ) المسألة الرابعة (بعض شبه مشركي هذا الزمان ) المسألة الخامسة ( ذرائع ووسائل الشرك ) المسألة السادسة ( بعض صور الشرك )
المسألة الأولى : ما هو خطر الشرك ؟
1) كون الشرك بالله أكبر كبيرة على وجه الأرض : دليله حديث أبي بكرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر , قالوا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله ..... ) الحديث
2) أن الشرك بالله أعظم ذنب يعصى به ربنا في الدنيا :
دليله قوله تعالى { وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } وقوله تعالى عن لقمان وهو يعظ ابنه { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم قال ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )
3) أن الشرك بالله لا يغفره الله عز وجل إلا أن يتوب صاحبه منه في الدنيا توبة صادقة : ولا يكون تحت مشيئة الله , دليله قوله تعالى{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }
4) أن الشرك بالله الأكبر يحبط جميع الأعمال : فيلقى الله بأعمال منثورة دليله قوله تعالى لأنبيائه { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
5) أن الشرك بالله فيه سوء الخلق وسوء الظن وقلة الأدب مع الله : لأن فيه نسبة النقص لله , دليله قوله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما جاء إلى قومه وهم عاكفون على أصنامهم {أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ . فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } قال ابن كثير عند تفسيرها : ( يعني ما ظنكم أنه فاعل بكم إذا لا قيتموه وقد عبدتم معه غيره . ) أ هـ وقال السعدي رحمه الله : ( فما ظنكم برب العالمين أن يفعل بكم وقد عبدتم معه غيره ؟ وهذا ترهيب لهم بالجزاء بالعقاب على الإقامة على شركهم , وما الذي ظننتم برب العالمين من النقص حتى جعلتم له أنداداً وشركاء ) أ هـ
6) أن المشرك بالله لا يقبل الله منه أي عمل حتى يترك شركه ويدخل في الإسلام : دليله قوله تعالى {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ ...) الآية وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك , من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )
7) أن المشرك حلال الدم والمال : دليله قوله تعالى { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله , فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ) أخرجه البخاري ومسلم .
8) أن المشرك شركاً أكبر حرام عليه الجنة ويخلد في النار : دليله قوله تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام وهو يحذر قومه من الشرك { وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } إلا من تاب قال تعالى {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً }
9) أن المشرك لا تقبل له شفاعة عند الله يوم القيامة : دليله قوله تعالى {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } وقوله تعالى { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } وقوله تعالى عن أهل النار وهم في العذاب يعذبون {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ }
10) أن المشرك نجس لا يمكّن من دخول حرم الله : دليله قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا }
11) أن المشرك لا يسمع دعاؤه ولا يقبل اعتذاره : دليله قوله تعالى {هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } وقوله تعالى{فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } وقوله تعالى { فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }
* المسألة الثانية : هل خوف الإنسان على نفسه من الشرك يدل على ضعف إيمانه ؟
الجواب : لا . بل إن خوف الإنسان على نفسه من الوقوع في الشرك يدل على كمال توحيده وإيمانه فهذا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء وقدوة الموحدين الذي قال الله عنه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } إلى قوله {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }ومع هذا كان يدعوا ربه هذا الدعاء كما قال تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم . وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه رضي الله عنهم ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) رواه أحمد عن محمود بن لبيد , فإذا كان الشرك الأصغر مخوفاً على الصحابة مع هجرتهم وشدة طاعتهم وجهادهم فينبغي أن نخاف نحن من الشرك الأكبر لا سيما مع ضعف الإيمان والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في وصف أصحابه ( .... وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) رواه مسلم عن أبي موسى . فمن المؤسف أنك ترى من يشمئز عند أن تتكلم على الشرك ومنهم من ينتقدك عند أن تتكلم على الشرك ونسوا مثل هذه الأدلة وجهلوا أن أهل السنة أسعد الناس بالعمل بالأدلة .
• المسألة الثالثة : هل الشرك سيقع في هذه الأمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : نعم سيقع الشرك في هذه الأمة وإليك الأدلة في ذلك :
1ــ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع . فقيل يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك ) رواه البخاري . وروى البخاري أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) قال الحافظ في الفتح ( 13/ 368) : ( قال ابن بطال :اَعلم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الأمر شر والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس وأن الدين إنما يبقى قائماً عند خاصة من الناس ) أ هـ
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في بيان حقيقة التوحيد صـ32
( فأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفعل ما فعلته الأمم قبلها من الديانات والعادات والسياسات مطلقاً وقد وجد في الأمم قبلنا الشرك فكذلك يوجد في هذه الأمة . ) أهـ
2ــ حديث أنس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى لا يقال الله الله في الأرض ) فإذا كان لا يقال في الأرض : الله الله دل ذلك على ذهاب التوحيد , وإذا ذهب التوحيد حلّ الشرك في الأرض .
3ــ حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة ) قال البخاري : ( وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية . ) أهـ وقد بوّب عليه البخاري في صحيحه فقال : باب تغيّر الزمان حتى تعبد الأوثان .
4ــ ما جاء عند بعض أصحاب السنن كأبي داود وابن ماجة من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ...... ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان .... الحديث ) صحيح أبي داود رقم ( 4252) وما نراه اليوم في هذا الزمان من القبوريين عند القبور والأضرحة وتحت السقف والقباب يدعون فيها الأموات ويطلبون منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات وغير ذلك إلا عين الشرك والعياذ بالله , قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الإرشاد إلى صحيح الإعتقاد( صـــ 71ــ 72) ( والواقع أن شرك هؤلاء المتأخرين زاد على شرك الجاهلية فصاروا يهتفون بأسماء هؤلاء الأموات في كل نازلة ولا يذكرون اسم الله إلا قليلاً وإنما يجري على ألسنتهم اسم الولي دائماً , والأولون كانوا يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة كما قال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله :
وكم هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد) أهـ
قلت: ومما يؤيد كلام الشيخ حفظه الله أن المشركين لم يكونوا يشركون في الشدة قوله تعالى {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ..... الآية ), وقال تعالى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } أما اليوم عند قبور الأولياء زعموا ترى الابتهالات والدموع والصياح أليست هذه حالة من أصابته الشدة والكربة ؟! ولذلك يحكى أن قبورياً رأى رجلاً يعبد صنماً أمامه فأنكر عليه القبوري فقال له عابد الصنم : أنت تعبد مخلوقاً غائباً عنك وأنا أعبد مخلوقاً ماثلاً أمامي فأينا أعجب ؟! فخصم القبوري . هذا وإن كان كل منهما مشركاً ضالاً لأنه يعبد ما لا يملك ضراً ولا نفعاً إلا أن القبوري أغرق في الضلال وأبلغ في طلب المحال !!
تتمة المسائل في الجزء الثاني
كتبها / أمين بن سالم باقرين
غيل عمر ــــ ساه ـــ
بتاريخ 28 ربيع الأول 1431هـ