قصتي مع كارثة السيول)
كانت البداية عبارة
عن رؤيا قصها لي أحد الأصدقاء والأصحاب ثم تحققت فأصبحت حقيقة لا خيال !!!
قال لي صاحب الرؤيا :
{ أنه رأى في منامه أن ناراً مشتعلة وقوية جاءت عن بعد ثم دخلت في وسط منطقة
النويدرة فأخذت أشجار النخيل وأحرقت البيوت , البيت تلو البيت , وهكذا تتنقل من
بيت إلى بيت آخر , ومن حارة إلى حارة , والناس يهربون بعيداً عنها } !!!!!!!
فقلت له : هذه رؤيا
مفجعة , بل مؤذنه بشرٍ قادم , والله اعلم
في تفسيرها !!؟؟ فأنا لستُ مفسراً للأحلام .
ومنذو ذلك الوقت وأنا
أترقب ظهور هذه الرؤيا وانكشاف حقيقتها على الواقع .... حتى مر أسبوعاً واحد فقط
على هذه الرؤيا , فتجلت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار , فماذا الذي حصل !!!!!!
كانت ليلة الجمعة
ليلة ممطرة جداً ,( أي الخميس بالليل , وقبلها يوم الأربعاء ) والناس في بيوتهم لا
تسمع لهم همس ولا صوت !!! ولا ترى أحد أمامك , السماء تتزايد قطراتها ولم تنقطع
طرفة عين , بعض العجائز وكبار السن من الشيوخ تخوفوا من شدة المطر بالليل لأنه لم
ينقطع أبداً ,,,, بعض جدران البيوت والسقوف بدأت تتساقط منها كسرات من اللبن وهو(
المدر ) محمّلة بقطرات المطر , ارتعد الناس , وخاف الأطفال ,,,,, لكن إلى الآن لم
يدروا بالمفآجاة , ولم يعرف الجميع ماذا يخبئ لهم القدر !!؟؟
الليل ساكن , والبعض
لم ينام من شدة البرد والمطر , لا تسمع لهذا المطر لابرق ولا رعد !! الأرض تبللت , المراحيض تنزل بالماء الكثير,
والوديان والجبال تدلو بالماء !!!؟؟ السكون يخيم على قريتنا الحبيبة ,, ولا ندري
ماذا سيحصل لنا ,
كنت أنا من ضمن الناس
الذين لم يناموا خوفاً وهلعاً من أن هناك أمر سيحصل , الله أعلم به !!!
وخاصة أن المطر لم
يتوقف طيلة ثلاث أيام متتالية , اتقلب على فراشي , وانظر إلى جدران البيت هل ستبقى
مكانها ؟ أم أنها ستسقط فوقنا !! الخوف يراودني , والقلق ينتابني , كانت زوجتي
حينها تقول لي : أنت شكلك لم تنم ؟؟؟ فقلت : خيراً أن شاء الله , وأنا أقول في
نفسي لا أريد أن أظهر لها شيء من خبر الرؤيا ,, ,,, ومن العجيب في تلك الليلة لما
قرب الصبح لم تصرخ الديكة كعادتها معلنة للفجر , فقلت لعلها أي ( الديكة ) أصابها
ما أصابني من الخوف والقلق والبرد !!!
** نهضت من على فراشي
ذاهباً للمسجد كعادتي لحضور صلاة الفجر , فلقد سمعت صوت المؤذن , صاحب الصوت
الحسن,, وكأن صوته جاء من مكان بعيد يخترق
الآذان !! شكله لم ينم بعد , خرجت إلى المسجد , وكانت زوجتي حينها تقول لي : لا
تخرج , كيف تريد أن تمر في هذا المطر , والأرض مبتلة , أخاف أن تسقط !! قلت لها :
من سيصلي بالمسلمين وطبعاً أنا كنت الإمام للمسلمين في الصلاة .
دخلت المسجد وأنا
أنظر إلى المصلين فلم أجد إلا النفر اليسير , الناس في بيوتهم حبسهم المطر والدحض
الذي في الأرض , وبينما أنا أصلي بالمسلمين في المسجد وإذا بتيار الكهرباء ينقطع وأنا
في الركعة الأولى , أصابني خوف شديد , أسرعت في الصلاة , لا أدري إلى الآن ماذا
قرأت في الركعة الأولى ؟؟ أقول في نفسي وأنا أصلي : يا الله ما الذي حصل ؟؟ , هناك
سبب لأنطفاء الكهرباء علينا ؟؟؟ ما السبب ؟؟!!! ما النتيجة ؟؟!! سلمت من الصلاة ثم
سبحت , وبعد برهة من الزمن أسمع صوت
البنادق ترتفع , لقد أطلق أحد الجيران النار مؤذن للناس أن هناك شي حصل !! خرجت في الدفعة الأولى مع أول المصلين وكانت
هذه ليست عادتي فمشيت والخوف يقلقني ,
ماذا حصل ؟؟ ماذا حصل ؟؟ خبروني !!!!!!!!!!!
سمعت رجل واقف يقول :
سيل كبير محيط بالديار التحتية ارتفعوا يا آل النويدرة !!! ارتفعوا يا آل النويدرة
!!!!!!( ويقصد بها بيوت آل بابروجي القريبة من مجرى السيول ) !! ثم جاءت المفآجأة
لقد رأيت الهول العظيم والدهشة الكبرى ,
وأنا أمشي مع بعض الأخوة في الخط العام أي ( الصرك ) أرى من بعد سيل كبيرو كثبان
من الماء ولأول مرة أرى السيل بهذه الصورة !!! مع صوت قوي جداً !! وهو صوت السيل أقول
في نفسي : لا إله إلا الله ,, يارب مالذي حصل ,, هل هذا حلم أم حقيقة ,, ذرفت عيني
بالبكاء , صحت وبكيت , أمسح دموي وأنا أركض بسرعة إلى منطقة بابروجي , إلى مكان
السيل , وصلت والعبرة تخنقني أبكي , وأمسح الدموع , ثم أعود أبكي وأمسح دموعي !!
أحوقل وأهلل ,أسبح , يا إلهي ما الذي حصل ؟! انفجرت أعصابي , لم أتمالك نفسي , لا
أفهم ماذا يدور حولي !!؟؟ فقمت , إلا أنني رجعت إلى شي واحد , وهو لقد تذكرت (
الرؤيا ) !!!!!!!!! السابقة
وصلت إلى قرب السيل
وكنت والله العظيم أول من خرج قبل سقوط البيوت وتهدمها وتكسرها , فوجدت قبلي مجموعة
من الشباب جزاهم الله خيرا كانوا من فرقة الإنقاذ وعلى الرغم من تساقط دموعي وبكاي
وانهيار أعصابي , تمالكت نفسي وقفت مكان الحادثة بنفسي , كان الأخوة المذكورين يدقون على البيوت بقوة شديدة
,, ( اخرجوا ,, أخرجوا ,, السيل فيكم , السيل فيكم )!! لم أعد أفهم شيء تبلّدت
أفكاري وقفت وإذا بالبيوت تتساقط وتتهشم ( كالبسكويت ) !!!
لقد رأيت أحد الشباب خرج
في وسط السيل ينادي على أسرة من الأسر المعروفة (......) والبيت حقهم قد سقط بعضه
, وبقي الجزء الآخر منه , (أخرجوا , أخرجوا !!) نظرت وإذا أحد أبنائهم ( ....) وأخيه
(.....) في أعلى البيت أي القصر الثاني , لا يدرون ماذا يفعلون ؟؟!! متحيّرين,
والسيل محلّق ومحيط بالبيت , والجزء الأكبر منه قد سقط ,,,,,,
خفت أنا من المنظر ,
كاد قلبي أن ينخلع من مكانه ,, يا إلهي كيف الطريقة والوصول إليهم؟؟ ,ما الحل ؟؟
إذا رموا أنفسهم في الماء سيجرفهم ,,, وإذا بقوا أعلى البيت سيسقط بهم ,,,,, كنت
أنا مع فرقة الإنقاذ نناديهم ( أقفزوا أقفزوا ) فقفزوا من أعلى البيت , سقط بعدها
البيت كله , لم أرى بقية أفراد الأسرة مع الزوجة وأبنتهم الصغيرة (.....) والأم والأب
أين هم ؟؟ يا إلهي أين موقعهم , البيت تهدّم عليهم ,, صحت وبكيت وووووو
.................. لم أعرف شيء من حولي إلا أنني نزلت في طرف السيل فأخذت بيد أحد
الأبناء بعد أن أنقذوه الشباب , فطلع من الماء , وقد أعطاني بيده زنبيل فيه ( ساعة
له وجوال وقليل من النقود ) وكان يلهث ومتعب جداً جداً , وإذا بعبراته تمتزج
وتختلط مع عبراتي ,ودموعه مع دموعي إلا أنني كظمت عبراتي ومسحت دموي , فالموقف
يتطلب الصلابة والشجاعة !!
البعض من الأخوة
يبحثون على أحد أفراد الأسرة الذين قفزوا من أعلى البيت في وسط السيل, أين ذهب ؟
!! أين ألقى به السيل ؟؟ لقد رمى به وجرفه
مسافات بعيده حتى أوصله إلى بيت مجاور (......) وبقدرة الله جاء في مكان منخفض ,
السيل فيه قليل . ثم طلع من السيل ونجاه الله سبحانه وتعالى .. وإلا كان في تعداد
الموتى !!!!
كان هذا المشهد
العجيب رايته يا أخوان بنفسي, وقلبي يتقطع ألماً وحزناً هل هذا حقيقة أم أنه خيال
؟؟ وبعدها توالى الناس علينا وخرجوا من البيوت على سماع صوت البنادق !! وسماع
الصياح والبكاء و كثر المتواجدين وحشدت الحشود ووووو .
سار الناس إلى مكان
الحادث , ووقفوا على كثبان من الطين من أثر أحد البيوت المهدّمة , أنهم رأوا (.....)
وأمه على ركام ذلك البيت المهدّم وماء السيل محاط بهم من كافة الجوانب والاتجاهات
يجرف مكانهم الذي هم فيه قليلاً قليلاً ,لا يقدر أحد أن يصل إليهم , والناس سعوا
بكافة الطرق والوسائل لإنقادهم لكن ؟؟!! كل الطرق والوسائل والمحاولات فشلت !! يا
ألهي ؟؟ ماذا نصنع لهم ؟ كيف نخلصهم من هذا المأزق ؟؟؟!!!! نراهم سيموتون !!!!!!!!
الناس بقوا ينتظرون
الفرج , حتى جاء لطف الله ورحمته بهؤلاء المساكين فجآءت طائرة لتنقدهم من فوق ذلك
الركام المحاط بالماء , فركبوا فيها ,, والله يا أخوان لما انطلقوا بالطائرة ونجو
بإذن الله بكاء كثير من الناس ( بكاء
الفرح والحزن معاً ) ولما انتهى السيل وقل جريانه , بادرالجميع للبحث على بقية الأسرة
فوجدوا زوجة الولد قد توفيت وابنتها تحت الانقاض أيضاً متوفية , والأب بحثوا عليه
أيام متتالية فلم يجدوه إلى الآن , {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
لم تنتهي المأساه بعد
.... جاء الليل بات الناس ليلة حزينة لم يروا مثلها ولا بعدها قط , نزلت عليهم هذه
المصيبة كالصاعقة , البعض بقي ولم ينام تلك الليلة أما أنا والله العظيم يا أخوان
لم أنم تلك الليلة , فلا زال الموقف ترتسم ملامحه أمامي !! فكلما أغمضت عيني استيقظت,
أنني أرى أمامي شبح مخيف ,, أرى أن البيت كأنه تهدّم عليّ , وأن السيل قد أخذني
وأهلكني !! يا ألهي , ذهب النوم من عيناي فلم أعد أتلذذ بالنوم تلك الليلة حتى جاء
الصباح , بقيت أتذكر هذه الحادثة أيام طويلة , فكلما تذكرتها تنهال دموعي بالبكاء
,,, أسال من الله سبحانه وتعالى أن يرحم موتى هذه الكارثة أنه ولي ذلك والقادر
عليه , والحمد لله رب العالمين .
سطّر
أحداثها صاحب القصة : صالح حسن بن قوقه
إمام وخطيب جامع النور
بالنويدرة